فصل: خروج أبي ركوة ببرقة والظفر به.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.خروج أبي ركوة ببرقة والظفر به.

كان أبو ركوة هذا يزعم أنه الوليد بن هشام بن عبد الملك بن عبد الرحمن الداخل وأنه هرب من المنصور بن أبي عامر حين تتبعهم بالقتل وهو ابن عشرين سنة وقصد القيروان فأقام بها يعلم الصبيان ثم قصد مصر وكتب الحديث ثم سارإلى مكة واليمن والشام وكان يدعو للقائم من ولد أبيه هشام واسمه الوليد وإنما لقبه أبا ركوة لأنه كان يحملها لوضوئه على عادة الصوفية ثم عاد إلى نواحي مصر ونزل على بني قرة من بادية هلال بن عامر وأقام يعلم الصبيان ويؤمهم في صلاتهم ثم أظهر ما في نفسه ودعا للقائم وكان الحاكم قد أسرف في القتل في أصناف الناس وطبقاتهم والناس معه على خطر وكان قتل جماعة من بني قرة وأحرقهم بالنار لفسادهم فبادر بنو قرة وكانوا في أعمال برقة فأجابوه وانقادوا له وبايعوا وكان بينهم وبين لواتة ومزاتة وزناتة جيرانهم في الأصل حروب ودماء فوضعوها واتفقوا على بيعته وكتب عامل برقة أنيال الطويل بخبرهم إلى الحاكم فأمره بالكف عنهم ثم اجتمعوا وساروا إلى برقة فهزموا العامل برمادة وملكوا برقة وغنموا الأموال والسلاح وقتلوه وأظهر أبو ركوة العدل وبلغ الخبر إلى الحاكم فاطمأنت نفسه وكف عن الأذى والقتل وجهز خمسة آلاف فارس مع القائد أبي الفتوح الفضل بن صالح فبلغ ذات الحمام وبينها وبين برقة مفازة صعبة معطشة وأمر أبو ركوة من غور المياه التي فيها على قلبها ثم سار للقائهم بعد خروجهم من المفازة على جهد العطش فقاتلهم ونال منهم وثبت أبو ركوة واستأمن إليه جماعة من كتامة لما نالهم من أذى الحاكم وقتله فأمنهم ولحقوا به وانهزمت عساكر الحاكم وقتل خلق كثير منهم ورجع أبو ركوة إلى برقة ظافرا وردد البعوث والسرايا إلى الصعيد وأرض مصر وأهم الحاكم أمره وندم على ما فرط وجهز علي بن فلاح العساكر لحربهم وكاتب الناس أبا ركوة يستدعونه وممن كتب إليه الحسن بن جوهر قائد القواد وبعثهم في ستة عشر ألف مقاتل سوى العرب وبعث أخاه في سرية فواقع بني قرة وهزمهم وقتل من شيوخهم عبد العزيز بن مصعب ورافع بن طراد ومحمد بن أبي بكر واستمال الفضل بني قرة فأجابه ماضي بن مقرب من أمرائهم وكان يطالعه بأخبارهم وبعث علي بن فلاح عسكرا إلى الفيوم فكبسه بنو قرة وهزموه ونزل أبو ركوة بالهرمين ورجع من يومه ثم رحل الفضل إلى الفيوم لقتالهم فواقعهم برأس البركة وهزمهم واستأمن بنو كلاب وغيرهم ورجع علي بن فلاح وتقدم الفضل لطلب أبي ركوة وخذل ماضي بن مقرب بني قرة عن أبي ركوة فقالوا له أنج بنفسك إلى بلد النوبة ووصل إلى تخومهم وقال: أنا رسول الحاكم فقالوا لابد من استئذان الملك فوكلوا به وطالعوا الملك بحقيقة الحال وكان صغيرا قد ولي بعد سرقة أبيه وبعث إليه الفضل بشأنه وطلبه فكتب إلى شجرة بن منيا قائد الخيل بالثغر بأن يسلمه إلى نائب الحاكم فجاء به رسول الفضل وأنزله الفضل في خيمة وحمله إلى مصر فطيف به على جمل لابسا طرطورا وخلفه قرد يصفعه ثم حمل إلى ظاهر القاهرة ليقتل فمات قبل وصوله وقطع رأسه وصلب وبالغ الحاكم في إكرام الفضل ورفع مرتبته ثم قتله بعد ذلك وكان ظفر الحاكم بأبي ركوة سنة سبع وتسعين.

.بقية أخبار الحاكم.

كان الحسن بن عمار زعيم كتامة مدبر دولته كما ذكرناه وكان برجوان خادمه وكافله وكان بين الموالي والكتاميين في الدولة منافسة وكان كثيرا ما يفضى إلى القتال واقتتلوا سنة سبع وثمانين وأركب المغاربة ابن عمار والموالي برجوان وكانت بينهم حروب شديدة ثم تحاجزوا واعتزل ابن عمار الأمور وتخلى بداره عن رسومه وجراياته وتقدم برجوان بتدبير الدولة وكان كاتب بن فهر بن إبراهيم يربع وينظر في الظلامات ويطالعه وولى على برقة يانس صاحب الشرطة مكان صندل ثم قتل برجوان سنة تسع وثمانين ورجع التدبير إلى القائد أبي عبد الله الحسين بن جوهر وبقي ابن فهر على حاله وفي سنة تسعين انقطعت طرابلس عن منصور بن بلكين بن زيري صاحب أفريقية وولى عليها يانس العزيزي من موالي العزيز فوصل إليها وأمكنه عامل المنصور منها وهو عصولة بن بكار وجاء إلى الحاكم بأهله وولده وماله وأطلق يد يانس على مخلفه بطرابلس يقال كان له من الولد نيف وستون بين ذكر وأنثى ومن السراري خمس وثلاثون فتلقي بالمبرة وهيىء له القصور ورتب له الجراية وقلده دمشق وأعمالها فهلك بها لسنة من ولايته وفي سنة اثنتين وتسعن وصل الصريخ من جهة فلفول بن خزرون المغراوي في ارتجاع طرابلس إلى منصور بن بلكين فجهزت العساكر مع يحيى بن علي الأندلسي الذي كان جعفر أخوه عامل الزاب للعبيديين ونزع ابني أمية وراء البحر ولم يزل هو وأخوه في تصريفهم إلى أن قتل المنصور بن أبي عامر جعفرا منهما ونزع أخوه يحيى إلى العزيز بمصر فنزل عليه وتصرف في خدمته وبعثه الآن الحاكم في العساكر لما قدمناه فاعترضه بنو قرة ببرقة ففضوا جموعه ورجع إلى مصر وسار يانس من برقة إلى طرابلس فكان من شأنه مع عصولة ما ذكرناه وبعد وفاة عصولة ولي على دمشق مفلح الخادم وبعده علي بن فلاح سنة ثمان وتسعين وبعد مسير يانس ولي على برقة صندل الأسود وفي سنة ثمان وتسعين عزل الحسين بن جوهر القائد وقام بتدبير الدولة صالح بن علي بن صالح الروباذي ثم نكب حسين القائد بعد ذلك وقتل ثم قتل صالح بعد ذلك وقام بتدبير الدولة الكافي بن نصر بن عبدون وبعده زرعة بن عيسى بن نسطورس ثم أبو عبد الله الحسن بن طاهر الوزان وكثر عيث الحاكم في أهل دولته وقتله إياهم مثل الجرجراي وقطعه أيديهم حتى أن كثيرا منهم كانوا يهربون من سطوته وآخرون يطلبون الأمان فيكتب لهم به السجلات وكان حاله مضطربا في الجور والعدل والإخافة والأمن والنسك والبدعة وأما ما يرمي به من الكفر وصدور السجلات بإسقاط الصلوات فغير صحيح ولا يقوله ذو عقل ولو صدر من الحاكم بعض ذلك لقتل لوقته وأما مذهبه في الرافضة فمعروف ولقد كان مضطربا فيه مع ذلك فكان يأذن في صلاة التراويح ثم ينهي عنها وكان يرى بعلم النجوم ويؤثره وينقل عنه أنه منع النساء من التصرف في الأسواق ومنع من أكل الملوخيا ورفع إليه أن جماعة من الروافض تعرضوا لأهل السنة في التراويح بالرجم وفي الجنائز فكتب في ذلك سجلا قرىء على المنبر بمصر كان فيه: أما بعد فإن أمير المؤمنين يتلوا عليكم آية من كتاب الله المبين {لا إكراه في الدين} الآية مضى أمس بما فيه وأتى اليوم بما يقتضيه معاشر المسلمين نحن الأئمة وأنتم الأمة لا يحل قتل من شهد الشهادتين ولا يحل عروة بين اثنين تجمعها هذه الأخوة عصم الله بها من عصم وحرم لها ما حرم من كل محرم من دم ومال ومنكح الصلاح والأصلح بين الناس أصلح والفساد والإفساد من العباد يستقبح يطوى ما كان فيما مضى فلا ينشر ويعرض عما انقضى فلا يذكر ولا يقبل على ما مر وأدبر من إجراء الأمور على ما كانت عليه في الأيام الخالية أيام آبائنا الأئمة المهتدين سلام الله عليهم أجمعين مهديهم بالله وقائمهم بأمر الله ومنصورهم بالله ومعزهم لدين الله وهو إذ ذاك بالمهدية والمنصورية وأحوال القيروان تجري فيها ظاهرة في خفية ليست بمستورة عنهم ولا مطوية يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون ولا يعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون صلاة الخمس للدين بها جاءهم فيها يصلون وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ولا هم عنها يدفعون يخمس في التكبر على الجنائز المخمسون ولا يمنع من التكبير عليها المربعون يؤذن بحي على خير العمل المؤذنون ولا يؤذى من بها لا يؤذنون لا يسب أحد من السلف ولا يحتسب على الواصف فيهم بما يوصف والخالف فيهم بما خلف لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاده وإلى الله ربه ميعاده عنده كتابه وعليه حسابه ليكن عباد الله على مثل هذا عملكم منذ اليوم لا يستعلى مسلم على مسلم بما اعتقده ولا يعترض معترض على صاحبه فيما اعتمده من جميع ما نصه أمير المؤمنين في سجله هذا وبعده قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون} والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتب في رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة.